لم يكن خبر وجود كميات من الدولارات المزيفة في السوق اللبناني، مجرد حادث عرضي يمكن التعاطي معه بأسلوب كلاسيكي، كما كان يحصل في حالات سابقة، للأسباب التالية:
أولاً- إن السوق اللبناني، خصوصاً بعد دولرة الجزء الأكبر منه، بات يعتمد على المعاملات بالورقة الخضراء بنسبة مرتفعة تتجاوز الـ 80%.

ثانياً- بعد الانهيار المالي في نهاية العام 2019، تحوّل السوق المحلي إلى الاقتصاد النقدي، وأصبحت التعاملات الداخلية بنسبة تفوق الـ 90% تتمّ نقداً، وبالدولار تحديداً.

ثالثاً- يساهم ما يُعرف بالاقتصاد الأسود، والذي اتّسع محلياً بحيث بات يشكّل حوالى 60% من حجم السوق، في جذب عصابات ترويج العملات المزوّرة. وهذا الأمر معروف عالمياً. وبالتالي، من البديهي أن يكون لبنان نقطة جذب لهذا النوع من الإجرام المنظّم.

رابعاً- واقع أن الدولارات المزوّرة التي انتشرت في السوق اللبناني هي ذات نوعية جيدة جداً، ويصعب اكتشافها بالفحص اليدوي والنظري، وتمرّ في ماكينات كشف الدولارات المزوّرة، فهذا يعني أنها ليست نتاج عمل محلي، بل إن مصدرها يُفترض أن يكون إحدى الدول المعروفة في هذا النوع من الجرائم المالية، وفي مقدمها كوريا الشمالية، الصين، كولومبيا أو نيجيريا. هذه الدول يتمّ تصنيفها على أنها المصادر الأساسية للدولارات المزوّرة من هذه النوعية المُتقنة. هذه الجماعات المُنظّمة لا تتعامل مع تجار صغار في العادة، بل ترتبط بمافيات وعصابات كبيرة. وتعقد تلك المجموعات الخارجة على القانون اتفاقيات لشراء هذا النوع من الدولارات، بكميات كبيرة، للحصول على أسعار تنافسية. إذ يتراوح سعر فئة المئة دولار من هذه العملات المزورة، بين 20 و30 دولاراً. ويبقى السؤال، كيف دخلت هذه الدولارات الى لبنان؟ ومتى؟

هذه الحقائق تعني نظرياً، أن موضوع الدولارات المُكتشفة في السوق اللبناني ليس مجرد عمل فردي تقوم به عصابة صغيرة لتحقيق أرباح مالية غير مشروعة. وهذا يتطلّب تحركاً رسمياً فاعلاً للتصدّي له. طبعاً، الأجهزة اللبنانية المختصة لن تكون وحيدة في عملها لكشف هذه "الجريمة"، بل إن "جهاز الخدمة السرية للولايات المتحدة" United States Secret Service (USSS)، سيكون قد تحرّك فعلاً في بيروت لمتابعة هذه القضية. وهو جهاز فعّال، يعمل بالتعاون مع وزارة الخارجية الأميركية، ولديه تعاون مع الأنتربول، والأجهزة الأمنية المختصة في عدد كبير من دول العالم.

وبالانتظار، سيكون السوق اللبناني مُضطرباً، لأنه يعتمد على الدولار النقدي في كل تعاملاته الصغيرة والكبيرة. وقد تكون مناسبة إضافية لكي يقتنع من في يدهم القرار، أن البلد لا يستطيع أن يبقى في قبضة الاقتصاد النقدي، وعليه أن ينتقل سريعاً إلى الاقتصاد الطبيعي، حيث تمر المعاملات المالية بالشبكات الشرعية، المُراقبة والموثوقة.