قد لا نبالغ بقولنا أنّ عام 2024 كان عام المعدن الأصفر بامتياز، حيث سجّل الذهب مستويات قياسية، وحطّم أرقاما تاريخية، بعد أن تمّ تداوله بين مستويات 1,984 دولار للأونصة المسجلة في شباط (فبراير) والمستويات التاريخية عند 2,790 دولار في تشرين الأول (اكتوبر) بارتفاع قارب الـ 40% في عام واحد فقط!
في هذا الإطار يشرح أحمد عزام، المحلل المالي الأول في مجموعة "إكويتي،" equity في حديثه لـ"النهار" أنّ "الذهب بدأ العام مع أداء سلبي في كانون الثاني (يناير) ثم سجل الذهب 9 أشهر من التداولات الإيجابية بشكل متتالي".
عوامل ارتفاع الذهب
كان الداعم الأساسي لتحركات الذهب الإيجابية هي التوترات الجيوسياسية وتوسع نطاقها وارتفاع حدتها مما دفع المستثمرون إلى اللجوء للذهب كأحد أدوات الملاذ الآمنة. "حيث ساهمت التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط والاغتيالات المتعددة لكبار الشخصيات والمناورات الحربية بين إيران وكيان الاحتلال"، بحسب عزام، "إلى تسارع ارتفاعات الذهب، فشهد شهر آذار (مارس) ارتفاعات الذهب من مستويات 2,039 دولار إلى مستويات 2,236 دولار مثلاً كارتفاعات متتالية دون تراجعات كبيرة يومية في ذلك الشهر".
كما أن الذهب قد استفاد من كونه أحد الأدوات الاستثمارية التي يلجأ له المستثمرون مع بدء البنوك المركزية في التحول إلى السياسات النقدية التسهيلية، يضيف عزام مشيرا إلى أنّ "الفيدرالي الأميركي دفع في شهر أيلول (سبتمبر) أول عملية تخفيض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس وتبعها بتخفيض آخر في تشرين الثاني (نوفمبر) بمقدار 25 نقطة أساس. وكان شهر أيلول (سبتمبر) أحد الأشهر المميزة لأداء الذهب ليرتفع قرابة 200 دولار للأونصة مع تنقل المستثمرون من الاحتفاظ بالودائع والسندات للحصول على العوائد التي قد تنخفض تدريجياً إلى الانتقال للاستثمار بالذهب".
بينما كان شراء الدول للذهب كإحتياطي استراتيجي سبباً أساسياً لارتفاع الذهب، فقد شرعت الصين لشراء الذهب لتصبح الدولة رقم 6 كأكثر دولة تمتلك احتياطات الذهب بمقدار 2,264 طن في محاولة للتخلي عن السندات الأميركية من ناحية، وضمان احتياطي في ظل الاقتصاد الذي يعاني من انهيار أسواق العقارات. بينما روسيا ومع العقوبات الاقتصادية الواسعة والتوترات الجيوسياسية، قد وضعت نفسها في المركز الخامس للاحتفاظ بالذهب بمقدار 2,336 طن. بينما تبقى الولايات المتحدة بعيدة بأكثر من ضعف من أقرب ممتلكين الذهب ألمانيا. فساعد ارتفاع الطلب العالمي من تلك الدول إلى تهافت الطلب الفردي في عام 2024 ليعطي سبباً حقيقياً لارتفاع أسعار الذهب في عام 2024.
توقعات 2025
قد يبدو أن الذهب يمتلك العديد من المسببات لتسجيل المزيد من التحركات القوية في عام 2025، برأي المحلل المالي الأول في مجموعة "إكويتي،" equity الذي قال إنّ "التوترات الجيوسياسية وحدتها لن تهدأ بشكل سريع، بالرغم من أن الأوضاع الحالية قد سعرّها الأسواق بشكل كامل، إلا أن ترك هامش لمفاجأت ارتفاع المخاطر الجيوسياسية قد يبدو من أحد أساليب المستثمرون، حيث من باب الحكمة أن يبقى الذهب أحد الأدوات المحتفظ بها في المحفظة الاستثمارية بنسبة 15-20% إذا ما تم الوصول إلى حل سلمي في تلك المخاطر الجيوسياسية،" مضيفا "ومن يعلم هنا ما يخطط له الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، لذلك سأترك الباب مفتوح لإمكانية حساب التوترات الجيوسياسية كمحرك مفاجىء لأسواق الذهب".
واعتبر عزام أن ّ "الحديث عن الانتصار على التضخم يبدو مبكراً بالرغم من تفاؤل البنوك بوصول التضخم إلى مستهدفاتها. إلا أن تضخم الخدمات والأجور والتضخم الأساسي (العناصر التي تستثني الغذاء والطاقة) لاتزال تبدو أحد الأسباب التي قد تؤجج التضخم في أي وقت، كما أن التضخم تاريخياً لم ينتهي عادةً بموجة واحدة. كما أن وصول ترامب والتعريفات الجمركية قد تثير المخاوف بأن التضخم قد يعود لأن يكون حديث عام 2025. حيث يبلغ التضخم على أساس سنوي في الولايات المتحدة عند مستويات 2.6%. ويبدو أن الذهب قد يكون أحد المستفيدين في حالة تسارع التضخم مرة آخرى حيث أنه أحد الأدوات التي يلجأ له المستثمرون للغطاء من التضخم".
وإذا عاد سيناريو التضخم ليطفو مرة آخرى، فقد تغير تلك المخاوف من حسابات البنوك المركزية التي قد لا تستمر في عمليات تخفيض الفائدة بشكل كبير، برأي عزام، مما يعني أن الأسواق قد تعدل تسعيرها لتحركات البنوك المركزية وتضع حالة عدم اليقين في الحالة الاقتصادية مرة آخرى، وذلك قد يدفع المستثمرون لشراء الذهب بنسبة متوسطة. وحتى في حالة استمرار البنوك المركزية بتخفيض الفائدة في عام 2025 بشكل متوقع مع وصول التضخم إلى مستهدفات البنوك المركزية قد يعطي الذهب بعض الارتفاعات مع انخفاض أداء العملات وخاصة الدولار الأميركي.
وعن احتمال دخول الدول الكبرى في حالة ركود اقتصادي، أجاب عزام بأنّ "الاقتصادات العالمية لم تتعافى بشكل كامل من فترة الجائحة، وجاءت أسعار الفائدة المرتفعة التي وضعت الاقتصادات العالمية على حافة الركود مراراً وتكراراً في عام 2024، فيما تبقى أرقام النمو الاقتصادي قرابة المستويات الصفرية عدا الولايات المتحدة. وهناك بعض الإشارات بأن أرقام مؤشرات مديري المشتريات التصنيعي والخدمي في الاتحاد الأوروبي وإنجلترا تعاني من مرحلة الانكماش."
مما يعني بأن امكانية دخول اقتصادات الدول الكبرى مرحلة الركود قد تكون واردة في عام 2025، وأن السيناريو الأسوء أن يدخل النمو الاقتصادي بالمرحلة السلبية مع تسارع التضخم مما يعني دخول مرحلة الركود التضخمي. هذا السيناريو قد يكون كفيل لإمكانية تراجعات الذهب لفترة الركود، ثم عودة ارتفاعات الذهب كسيناريو تحوط استثماري.
لذا جميع السيناريوهات الاقتصادية عدا الركود الاقتصادي قد تكون كفيلة للذهب لتسجيل المزيد من الارتفاعات نحو المستويات القياسية المسجلة مسبقاً 2,790 دولار وتجاوزها نحو مستويات 3,000 دولار للأونصة في عام 2025، "على أن لا يتجاوز التصحيح السعري الهبوطي مستويات 2,470 دولار"، بحسب عزام.